بسم الله الرحمن الرحيم
اقدم لكم نبذه عن حياته
اقرأ من فضلك,
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: 'من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد'.
كان يومئذ غلاما يافعا لم يجاوز الحلم ، وكان يسرح فى شعاب مكة بعيدا عن الناس، ومعه غنم يرعاها لسيد من سادات قريش هو عقبة بن ابى معيط.. وكان الناس ينادونه : (ابن أم عبد) أما اسمه فهو عبد الله ، وأما اسم أبيه (فمسعود).
كان الغلام يسمع بأخبار النبى صلى الله عليه وسلم الذى ظهر فى قومه فلا يهمتم بها لصغر سنه من جهة، ولبعده عن المجتمع المكى من جهة أخرى، فقد دأب على أن يخرج بغنم عقبة منذ البكور ثم لا يعود بها إلا إذا أقبل الليل.
وفى ذات يوم أبصر الغلام المكى عبد الله بن مسعود كهلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد، وقد أخذ الجهد منهما كل مأخذ ، وأشتد عليهما الظمأ حتى جفت منهما الشفاه والحلوق. فلما وقفا عنده سلما وقالا: يا غلام احلب لنا من هذه الشاه ما نطفئ به ظمأنا ، ونبل عروقنا. فقال الغلام: لا أفعل ؛ فالغنم ليست لى ، وأنا عليها مؤتمن.. فلم ينكر الرجلان قوله ، وبدا على وجهيهما الرضا عنه.
ثم قال له أحدهما: دلنى على شاه لم تلد من قبل، فأشار الغلام إلى شاه صغيرة قريبة منه، فتقدم الرجل وامسكها، وجعل يمسح ضرعها 'ثديها' بيده وهو يذكر عليها اسم الله، فنظر إليه الغلام فى دهشة ؛ وقال فى نفسه: ومتى كانت الشياه الصغيرة التى لم تلد تدر لبنا؟! ، لكن ضرع الشاه ما لبث أن انتفخ ، وطفق اللبن ينبثق منه ثرا غزيرا.
فأخذ الرجل الآخر حجرا مجوفا من الأرض، وملأه باللبن وشرب منه هو وصاحبه والغلام، ثم قال الرجل المبارك لضرع الشاه: انقبض .. فما زال ينقبض حتى عاد الى ما كان عليه. عند ذلك قال الغلام للرجل المبارك: علمنى من هذا القول الذى قلته.. فقال لى : إنك غلام مُعلّم.
كانت هذه بداية قصة عبد الله بن مسعود مع الإسلام. إذ لم يكن الرجل المبارك إلا رسول الله صلوات الله عليه ، ولم يكن صاحبه إلا الصديق رضى الله عنه. فقد نفرا فى ذلك اليوم إلى شعاب مكة ، لفرط ما أرهقتهما قريش ، ولشدة ما أنزلت بهما من بلاء.
وكما أحب الغلام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، وتعلق بهما ، فقد أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بالغلام وأكبرا أمانته وحزمه ، وتوسما فيه الخير.
لم يمض غير قليل حتى أسلم عبد الله بن مسعود وعرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه ؛ فوضعه الرسول صلوات الله عليه فى خدمته. ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبد الله بن مسعود من رعاية الغنم الى خدمة سيد الخلق والأمم.
لزم عبد الله بن مسعود رسول الله صلوات الله عليه ملازمة الظل لصاحبه ، فكان يرافقه فى حلة وترحاله ، ويصاحبه داخل بيته وخارجه .. إذ كان يوقظه إذ نام ، ويستره إذا اغتسل ، ويلبسه نعليه إذا أراد الخروج ، ويخلعهما من قدميه إذا هم بالدخول ، ويحمل له عصاه وسواكه ، ويلج الحجرة بين يديه إذا أوى إلى حجرته.. بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن له بالدخول عليه متى شاء ، والوقوف على سره من غير تحرج ولا تأثم ، حتى دُعى 'بصاحب سر' رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ربى عبد الله بن مسعود فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاهتدى بهدية ، وتخلق بشمائله، وتابعه فى كل خصلة من خصاله ، حتى قيل عنه: إنه أقرب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا 'الهيئة والخلق'. وتعلم ابن مسعود فى مدرسة الرسول صلوات الله عليه فكان من أقرا الصحابة للقرآن ، وأفقههم لمعانيه ، وأعلمهم بشرع الله.
ولا أدل على ذلك من حكاية ذلك الرجل الذى أقبل على عمر بن الخطاب وهو واقف (بعرفة) ، فقال له: جئت – يا أمير المؤمنين – من 'الكوفة' وتركت بها رجلا يملى المصاحف عن ظهر قلبه فغضب عمر غضبا قلما غضب مثله ، وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتى الرجل وقال: من هو ويحك؟! قال: عبد الله بن مسعود.. فما زال ينطفئ ويسرى عنه حتى عاد الى حاله ، ثم قال: ويحك ، والله ما أعلم أنه بقى أحد من الناس أحق بهذا الأمر منه ، وسأحدثك عن ذلك..
واستأنف عمر كلامه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر ذات ليلة عند ابى بكر ويتفاوضان فى أمر المسلمين ، وكنت معهما ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه ، فإذا رجل قائم يصلى بالمسجد لم نتبينه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ، ثم التفت إلينا فقال: 'من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد' ثم جلس عبد الله بن مسعود يدعو فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له: (سل تعطه .. سل تعطه) ، ثم اتبع عمر يقول : فقلت فى نفسى : والله لأغدون على عبد الله بن مسعود ولأبشرنه بتأمين الرسول صلى الله عليه وسلم على دعائه ، فغدوت عليه فبشرته ، فوجدت أبا بكر قد سبقنى إليه، فبشره.. ولا والله ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقنى إليه.