ثلاثية عقيدة السلف الصالح (1-3) عمودا فسطاط الإسلام العديلان: العدل والصلاة
بقلم د. أبو بلال عبد الله الحامد
أ-محاولات التجديد تنكتم بالإطار الخماسي
واكتشف خللها عديد من الفقهاء والعلماء المفكرين، في هذا العصر ؛ وحاولوا تصحيحها وإدخال عناصر فيها،كالطاهر بن عاشور وعلال الفاسي، وعبد الوهاب خلاف والعلواني والزحيلي وغيرهم، فركز بعضهم المقاصد في التوحيد والتزكية والعمران، وأضاف آخرون الحرية والمساواة، والعدل والكرامة.
وما أضافوه عناصر مهمة، تحتاج إليها الأمة ، وهي من مقاصد الإسلام وروحه الكلية القطعية.ولكن الإضافات التزمت إطار التقسيم الخماسي،أو ألحقت به؛ فبدت ناشزة أو غير منسجمة في إطاره، وبحاجة إلى إطار تقسيم آخر.
إن نظرية مقاصد الشريعة الخمس: حفظ العقيدة الروحية وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ النسل وحفظ العرض، صحيحة، إذا حصرناها بشروط بقاء الإنسان، ولكنها لاتقدم تأسيسا كافيا لشروط ارتقاء الأمة القوية المتحضرة، المعروفة في كل مكان وزمان، وكل أمة وملة، والإطار الخماسي لم يكن دقيقا لبلورتها، ومن أجل ذلك لم يبن الفقهاء على هذه الخماسية فكرا اجتماعيا ولا سياسيا عميقا أو موسعا او دقيقا.
من أجل ذلك لا يكفي الإطار الخماسي فمن الصعب أن يدخل في إطاره، ما هو من لوازم المجتمعات والدول لبناء قيم العدل العشرة المعتبرة في أي أمة قوية متحضرة. ولا نستطيع أن نجد فيه دليلا كافيا لشروط العمارة يثمن القوة المعرفية التقنية، مصدرا من مصادرالقوة المادية،مدنية وعسكرية، لابد من توافرها، بصفتها محصول توافر إحدي القوتين الروحية والمدنية أو تمازجهما،
والتقسيم الخماسي –أيضا-لا يتسع بشكل مرن، لبناء توجيهات الشريعة، في مجال النزعة الإنسانية، التي هي من أبرز سمات الشريعة في التعامل مع غير المسلمين، من مواطني الدولة الإسلامية، أو من الأمم الأخرى، لأن التعريف-في منطوقه- إنما يتحدث عن حفظ دين المسلم، أما حفظ دين غير المسلم وحقوقه فلم يعرض لها.
ونص عديد من العلماء في عصر الإمبريالية الغربية على أن مبادىء قيام الأمة-إذن- من فرائض الدين، كما صرح بذلك الكواكبي في كتاب طبائع الاستبداد، وكما بين محمد رشيد رضا في مواضع من تفسير المنار، وكما دلل على ذلك الطاهر بن عاشور في مواضع من تفسيره، وكما بين علال الفاسي في كتاب المكارم.
فإذا كانت مبادئ الحكم العادل ووسائله وضماناتها؛ أصلا من أصول الدين، فأين منزلتها في سلم القيم والأولويات؟، وما الإطار الذي تتسق فيه؟.
إن لأسس إقامة المجتمع المتماسك قدرا أكبر من القول بأنها فريضة. يصعب تثمين درجتها في سلم القيم الإسلامية، إلا من خلال إطار تقسيم شروط الحياة والحضارة قسمين:
شروط البقاء وهي مقاصد للشريعة خمسة.
وشروط الارتقاء وهي مقاصد للشريعة عشرة
من أجل ذلك لا ينبغي لنا اليوم التمسك بتقسيمات ذلك التراث العباسي المأزوم، ونتعامل معه كأنه معصوم، وكأنه لا يمكن فقه الكتاب والسنة إلا بعيون عباسية أو مملوكية، ولن يستطع هذا الفكر أن يؤسس لنا أركان إسلام الدولة والمجتمع، ولن يمدنا بمناهج ونظريات وآليات، نقيم بها أعرافا سياسية شورية، تدفع عنها الضغط الحضاري الجاثم فوق صدورنا.
ب-تعديل في موقع خماسية المقاصد:
يمكن للباحثين في المقاصد اليوم؛صياغتها بصورة تنبثق من روح الشريعة، التي دلت عليها مصابيح القرآن والسنة، في مشكاة التطبيق النبوي، وتاريخ الحضارات والدول العالمي، بتقسيمها قسمين: شروط البقاء على الحياة، التي لابد منها لمجتمع صحراوي أو مدني، وهي البنية التحتية، التي تركز على مبادئ الحياة البسيطة.
ويمكن أن نسميها شروط البقاء،أو شروط حفظ الحياة، ويمكن أن تكون خماسية المقاصد؛ عنوانا لها :
وهذه هي (شروط الحياة الخمسة) المقررة في كل أمة وملة،
1-حفظ حرية الإنسان في القيام بالشعائر الروحية، من دون ضغط ولا جبر.
2- تناسل الإنسان وحفظ الحياة
3-تربية العفاف والأخلاق الحسنة وصيانة الأعراض
4-تنمية الأموال وصيانتها
5-تزكية العقول وصيانتها
وهي الضروريات التي سماها الفقهاء العباسيون- الضروريات الخمس: التي أكدت عليها الشرائع الصحيحة والطبائع السليمة، وهي في كل أمة وملة، ووسائلها.
وهي (قيم الحياة الإنسانية الخمس) وهي مقومات الحياة الإنسانية، وهي الأظهر في المجتمع البسيط(الريفي والبدوي)، وهي –أيضا-أساس قيام المجتمع المتحضر.
إنها أسس بقاء الحياة الإنسانية رعاية حاجات الإنسان البيولوجية والنفسية والاجتماعية أي رعاية الإنسان جسدا ووجداناً وعقلاً، وما يستلزمه ذلك من حاجاته سكنا ولباساً وشراباً واكلاً ، والحفاظ عليه مالاً وعرضاً ونسلاً.
والخماسية ينبغي أن نبقي عليها لأربعة عتبارات:
الأول:أنها مبادئ إنسانية عامة،و الفقهاء عندما قالوا:إنها مراعاة في كل ملة، أصابوا المحز..
الثاني: أنها مبادئ إسلامية ثابتة.
الثالث:أنها لاتتعارض مع القول بأن شروط الشريعة من إقامة الدولة العادلة عشرة، عندما نقول مبادئ البقاء خمسة ومبادئ الارتقاء عشرة.
الرابع:أن التقسيمات وحصر القضايا في أعداد، إنما هي مصطلحات، وطبخات وخلطات تراعي عدة اعتبارات، وقد أصبح تخميس المقاصد، أمرا منشرا بين الناس، وينبغي البناء عليه من أجل تجنب البلبلة والاضطراب الثقافي، بين القديم العباسي والحديث.
ج-عشرية النضوج الحضاري والسياسي طبق يبني على طبق خماسية البقاء
بيد أن الوفاء بشروط الحياة الخمسة) المقررة في كل أمة وملة،التي ذكرها الفقهاء العباسيون. لا يكفي في مجتمع المدائن الكبرى، ذات الأجناس المختلطة، وذات الجموع المتكاثرة، التي تحتاج إلى أعراف تناسب المجتمع المدني، لأنه مجتمع (مركب ومعقد)، لا يكفي لتحديد مقاصد الشريعة الحضارية والسياسية، التي صرح بها القرآن والسنة،. ومن أجل ذلك لابد من التركيز على قيم المدنية، من جانب، ولا بد من التركيز على آلياتها الفعالة من جانب آخر.
ولتأسيس ذلك ننطق من مبدأ شرعي آخر، هو أن اإن الشريعة معنية بحفظ كيان الأمة: أفرادا وجماعات ومجتمعا ودولا، ولكن فرقنا الإسلامية القديمة، أجمعت على تجاهلها أو تهميشها، وهي قيم مهمة، أدى ترك تأسيسها على القرآن والسنة، إلى تهميشها في الفكر الديني، وإلى إغفال تسلل حشرات الاستبداد والقهر والتعصب و الإلغاء والتفرق والأنانية، ولوازمها من الفساد والتخلف والفقر.
وينبني على ذلك أن شروط العدل والعمران العشرة؛ على متن شق الشريعة الروحي ليس تفريطا بمقصد من مقاصد الإسلام العظمى فحسب، بل هو إخلال بالعمود الثاني من عمودي العقيدة الإسلامية، ومن دون الاهتمام بهذا العمود، ستكون العقيدة مختلة من دون نظام.
ونقسم شروط إقامة الحياة قسمين: شروط البقاء وشروط الارتقاء.
شروط البقاء هي شروط إقامة المجتمع البسيط، أو قيام كل فرد بحاجاته الأساسية وحده. وشروط الارتقاء هي شروط إسلام الدولة العشرة، الضرورية لقيام الأمة المتحضرة، التي تناسب مجتمع الدولة، الذي هو طور معقد مركب، فوق المجتمع الزراعي والصحراوي البسيط.
لجواب هذا السؤال، لا بد من الجمع بين القسمة الخماسية للمقاصد والقسمة العشرية، لتركز القيم المدنية على الناس بصفتهم أفرادا كما ركز عليهم بصفهم أسرا وجماعات مجتمعات تتكون منهم الأمة ويتحدد إطارهم بدول, وليتسع الإطاران لذلك لتركيب القيم المدنية الأساسية، التي تشاد عليها قوة الأمة، أسرة وأفرادا وجماعات ومجتمعات ودولا، في جانب (الارتقاء) ، من ما يوطد سلامة الملة، من شرائط إقامة المجتمع الفاضل، والحكم الرشيد، وما يستلزمه ذلك من قيم المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية المدنية التي تحفظ التوازن بين القيادة والمجتمع.
ولعل فكرة النظام، التي تقاريها المقالة التالية، من ما يمهد لبيان علاقة العدل والعمران بالصلاة،